من أقدم المدن العالمية.. تازة بوابة المغرب
“إن على أبنائها اليوم أن يقوموا بكتابة تاريخها في شتى الميادين، إن عليهم وحدهم تقع تبعة التعريف بهذه الماسة التي نسميها تازة…”. بهذه العبارة وبهذا التشبيه الفريد من نوعه ختم مؤرخ المملكة المغربية عبد الهادي التازي مقالا حول تازة نشر بمجلة دعوة الحق (عدد 241 أكتوبر/تشرين الأول 1984).
ومدينة تازة “الماسة” -أو “بوابة المغرب” كما يسميها المؤرخون- هي نقطة وصل شرق المغرب بغربه، وجباله الأطلسية بمقدمة جبال الريف شمالا، وهي واحدة من أقدم المدن في العالم، وتأسست قبل الفتح الإسلامي، ووجدت في ضواحيها آثار للعصر الحجري، وأكسبها موقعها الجغرافي أهمية تاريخية كبيرة، قبل أن تطولها دورة النسيان، وتصبح “بعيدة”.
وتتشكل مدينة تازة اليوم من مدينتين: عليا وسفلى، ويربط بينهما منحدر مدرج وباب علوي يسمى باب الريح. وموقع تازة المميز أهّلها لتلعب دورا عسكريا رائدا عبر تاريخ المغرب؛ حيث يقول رئيس مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث عبد الإله بسكمار إن موقع تازة الإستراتيجي وتضاريسها المتشعبة جعلا تاريخها أيضا متشعبا.
ويوضح بسكمار في حديث مع الجزيرة نت أن ممر تازة كان طريقا سلطانيا، وممر الجيوش والقوافل، مشيرا إلى أن جميع المصادر التاريخية تنص على حركية الجيوش بالمنطقة والبعد العسكري للمدينة.
ويعتبر عبد اللطيف جنياح –وهو محام وفاعل مدني بمدينة تازة- في حديث مع الجزيرة نت أن تازة مدينة ضاربة في عمق التاريخ، مر منها جميع الغزاة والفاتحين. ويضيف “هاته القلعة الطبيعية أهّلتها لتلعب دورا إستراتيجيا في تاريخ المغرب، فدارت في رحاها الأحداث الكبيرة والمهمة للدول المتعاقبة على حكم المغرب، التي لا زالت معالمها شاهدة على كل تلك الحقب”.
وكتب عبد الهادي التازي مؤرخ المملكة المغربية حول تازة “ليس فقط لأن تازة ذات مناخ معتدل وهواء عليل، ولكن لموقعها الإستراتيجي الهام باعتبارها الترس، وباعتبارها المعقل، وباعتبارها البرج الذي يضبط صلة الشرق بالغرب والجنوب بالشمال”.
تحصين
لعبت مدينة تازة على مر التاريخ وظيفة عسكرية وأمنية في المقام الأول، وطورت مختلف أساليب الدفاع من عناصر تحصين؛ كالأسوار المزدوجة والأبراج المتنوعة. ولا تذكر تازة من دون ذكر ما عاشته خلال فترات حاسمة من تاريخ المغرب، خاصة أيام حكم الموحّدين، ثم المرينيين، ولاحقا في عهد الدولة العلوية، خاصة استعصاءها على الاحتلال الفرنسي خلال فترة الحماية.
ويوضح بسكمار للجزيرة نت أن تازة كانت من أواخر المدن بالمغرب التي احتلت من قبل الجيش الفرنسي في مايو/أيار 1914.
وقال عنها لسان الدين ابن الخطيب “تازة بلد امتناع وكشف قناع ومحل ريع وإيناع، ووطن طاب ماؤه، وصح هواؤه، وجلت فيه مواهب الله وآلاؤه…”.
ويقول عبد الهادي التازي “ولعلي لست بحاجة إلى أن أؤكد الأسباب التي كانت وراء اهتمام المملكة المغربية، خاصة الدولة الموحدية بهذه المدينة، فإن الأمر كان يتعلق بتصميم الدولة على القضاء على الحركات الانفصالية التي ظهرت في باقي الأطراف الشرقية للمغرب الكبير…”.
وتازة من أقدم المدن في العالم كحاضرة، ووفرت شروط المدينة من مسجد وأسواق وحمامات. وحسب المؤرخ بسكمار، فالمدينة كانت المتحكمة في الممر؛ مما جعل من يُحكِم قبضته على تازة يتحكم في دواليب الحركة التجارية والعسكرية.
تراث حافل
عرفت مدينة تازة تحولات عديدة عبر العصور، وتوجد بضواحيها كهوف من العهد الحجري، وآثار الوجود البشري القديم، وبها موقع أركيولوجي ومقابر قديمة. وقال لنا بسكمار إنها تختزن معالم قديمة، منها ما قبل التاريخ مثل ما تبقى من الأدوات الخزفية والحلى القديمة جدا، وتسمى “لوقا”، وأدوات العصر الحجري والفؤوس الحجرية في كهوف بلغماري، حيث كان الإنسان البدائي.
ومن معالم تازة في العصر الإسلامي الأسوار والأبراج والمدارس المرينية (نسبة لدولة بني مرين)، والحمامات القديمة، وكل معالم المدينة العتيقة، وبرج بستيون الذي كان معقل السلطان أحمد المنصور الذهبي، والقلاع المدفعية.
ومن معالم تازة: قصبة تازة، وباب القبور، وباب القصبة، وساحة أحراش، وقبة السوق، والسوق العتيق، والمشوار التاريخي، والدور العتيقة.
وفي أحد أعرق مساجدها (المسجد الأعظم/الجامع الكبير) توجد ثريا فريدة تزن 32 قنطارا من النحاس، وتعد الأقدم من نوعها، “عالقةٌ نازلة وسط المسجد، يخترق نورُها فضاءات المجالس العلمية…”، وتعد رمزا من رموز المدينة، وأمر بصناعتها السلطان المريني يوسف أبو يعقوب، ونُقشت في جوانبها أبيات شعرية تستهل بـ:
“يا ناظرا في جمالي حقّق النظرا
ومتّعِ الطرْف في حُسْني الذي بَهَرا
أنا الثريا التي تازا بي افتخرت
على البلاد فما مثلي الزمان يرى”.
يقول عبد الهادي التازي في مقاله بمجلة دعوة الحق “لقد توجه إليها (أي تازة) بنو مرين بنفس العناية والحماس الذي توجهوا به إلى عاصمتهم فاس، بل إنهم اتخذوا من تازة مدرسة لفلذات أكبادهم، وقاعدة للأمراء وكبار رجال الدولة… لقد بلغت تازة في العهد المريني ما لم تبلغه معظم المدن في المغرب الأقصى…”.
المصدر : الجزيرة